الوجه الآخر لـ"الحالة" في باكستان!
عندما كان "زلماي خليلزاد" سفيراً للولايات المتحدة لدى أفغانستان، كثيراً ما كان يصطدم بوزير الخارجية، "كولين باول" وقتها، حول ما إذا كانت باكستان، تحت حكم برويز مشرف صديقاً أم عدواً. فمن وجهة نظر "خليلزاد" لم تكن باكستان صادقة تماماً في التزامها في فترة ما بعد 11 سبتمبر بالقضاء على "طالبان"، كما أن تعاملها معها كان ملتبساً وغامضاً في أحسن الأحوال. وبدلاً من مواجهة الراديكاليين الإسلاميين، قامت الأجهزة الأمنية الباكستانية -أو بعضها على الأقل- بالتغاضي عن "طالبان" في المناطق الحدودية. وكان واضحاً بالنسبة للسفير "خليلزاد" أن حلم باكستان القديم بإبقاء أفغانستان ضعيفة تحت النفوذ الباكستاني مايزال مستمراً. لكن في المقابل كان وزير الخارجية "باول" متشككاً في هذا الطرح، فركز اهتمامه طيلة العامين 2003 و2004 على دعم الصديق "مشرف" ومساعدته في ملاحقة "القاعدة" وضبط الأمور في دولة إسلامية تمتلك القنبلة النووية. وكانت رسالته إلى مبعوثه في أفغانستان، "خليلزاد"، واضحة تتمثل في الكف عن انتقاد باكستان لأنها تقوم بكل ما في استطاعتها.
والحقيقة أن غياب التنسيق في السياسات أفرز بعد فترة من الوقت فوضى عارمة. فرغم أن باكستان وأفغانستان تمثلان مشكلتين مترابطتين تشتركان في الراديكالية الإسلامية، والاضطرابات الحدودية، والانتقال الديمقراطي العسير، إلا أن تعامل إدارة الرئيس بوش كان يفتقر إلى رؤية منظمة. والنتيجة ما نراه اليوم بعد ثلاث سنوات؛ فالرئيس "مشرف" في ورطة حقيقية تضطره إلى اعتقال المحامين وتكميم الصحافة تحت يافطة "حالة الطوارئ"، بينما تنتعش حركة "طالبان" بمساعدة الجهاديين الأجانب الذين يقوضون الاستقرار في جنوب أفغانستان، ويهاجمون باكستان نفسها. وفي النهاية تم تعطيل المسيرة الديمقراطية في باكستان، ناهيك عن ما في أفغانستان التي تعيش خطراً حقيقياً هي كذلك. وبالطبع ليس الأمر كارثياً إلى هذا الحد، حيث الأسلحة النووية في باكستان مازالت بعيدة عن أيدي المتشددين الإسلاميين، وحيث أن "طالبان" لم تجتح العاصمة كابل، لكن مع ذلك تظل الصورة قاتمة.
ولم تنقطع الأموال الأميركية عن التدفق على باكستان، حيث أنفقت الولايات المتحدة 22 مليار دولار لدحر "طالبان"، كما رصدت 10 مليارات دولار للجيش الباكستاني، رغم أنه مايزال ينظر إلى "طالبان" باعتبارها مكسباً يمنح إسلام أباد "عمقها الاستراتيجي" في غرب أفغانستان في مواجهة الهند إلى الشرق من حدودها. والواقع أن هذا التخبط في تقديم المساعدات المالية يوضح بجلاء مدى ارتباك السياسة الخارجية للرئيس بوش. فقد كان من الضروري محاسبة الرئيس برويز مشرف قبل الآن ومساءلته بشأن الازدهار الذي تشهده حركة "طالبان". وليس غريباً أن يؤدي الفشل في التعامل مع "طالبان" بالصرامة المطلوبة إلى تمدد هجماتها لتطال الأراضي الباكستانية، لاسيما وادي "سوات" الذي تحول من منتجع لقضاء العطل إلى ساحة حرب. وهكذا تحول الخطر من المناطق الحدودية البعيدة والمتاخمة لأفغانستان إلى داخل باكستان، مهدداً بتقويض الاستقرار.
وكما أشار "فيشاخا ديساي"، رئيس "جمعية آسيا"، فقد امتدت الهجمات التي تنفذها "طالبان" بالقرب من وادي "سوات" إلى أحد تماثيل بوذا المنحوت في الصخر بعد تدمير جزء كبير منه. ويبدو أن الاستراتيجية الباكستانية الرامية إلى إضعاف أفغانستان من أجل السيطرة وبسط النفوذ بدأت ترتد سلباً على باكستان ذاتها، والتي باتت الآن عرضة لضربات المتشددين القادمين من الحدود. ومع أن الجيش الباكستاني صعد من عملياته بمساعدة أميركية في المناطق الحدودية، مما أدى إلى مقتل العديد من الجنود الباكستانيين في مواجهات عنيفة، فإن تلك الجهود كلها لاستدراك الأمر ومجابهة الخطر، جاءت متأخرة.
وأمام التحدي القانوني الذي يواجهه "مشرف" لإعادة انتخابه مرة أخرى، والحضور الطاغي لمعارضته "بنظير بوتو"، فضلاً عن تنامي خطر "طالبان" التي تحولت من قزم إلى عملاق، لم يجد الجنرال من خيار سوى القمع وفرض حالة الطوارئ. لكن رغم ممارسات نظامه، لم يصل "مشرف" مستوى ديكتاتورية الجنرال "محمد ضياء الحق" الذي أعدم ذو الفقار علي بوتو. فالرئيس مشرف يلطف نزوعه السلطوي لكسب مزيد من الوقت، وهو ما يتعين على الولايات المتحدة استغلاله لتحقيق مراميها. ومع ذلك لا تعدم الصورة العامة في باكستان بعض الإشارات الإيجابية؛ من ذلك استبعاد إمكانية أن تؤدي الديمقراطية إلى صعود الإسلاميين إلى السلطة هناك، خلافاً للانتخابات الفلسطينية، وذلك بفضل قوة المعارضة وتجذرها في المؤسسات الدستورية للبلاد. يضاف إلى ذلك ضعف الأحزاب الراديكالية في باكستان واحتمال نشوء توافق بين المدنيين والمؤسسة العسكرية.
ويبقى السؤال الحقيقي حول دور مشرف، وما إذا كان جزءاً من الحل أم أنه هو المشكلة نفسها. كلما عانى الجنرال من العزلة أصبح أقرب إلى كونه "ورقة ضعيفة". بيد أن برويز مشرف لم يتراجع بعد إلى تلك المرتبة، كما أن الأخطار المرتبطة بالسلاح النووي تفرض على الولايات المتحدة الاستمرار في مساعدته، مع الإصرار في الوقت نفسه على الالتزام بالانتخابات في موعدها المحدد، واستعادة النظام القضائي المستقل، والتعاون مع بوتو للقضاء على "طالبان".
روجر كوهين
كاتب ومحلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"